مشروبك الصباحي
يتكرر المشهد كل صباح بصورة روتينية، حيث نخرج من منازلنا إلى وجهتنا المعتادة والتي غالبا ما تكون مقرات الدراسة أو العمل، وما إن ننطلق في رحلتنا حتى يتشكل في عقولنا مصباح التفكير الزاهي، وبداخله قدح مملوء بمشروبنا المفضل، يخرج من فوهته دخان متطاير بعبق الصباح، ويكبر ذلك المصباح ويتسع، فيجبرنا - ونحن في قمة الرضا - على قطع الرحلة والتوقف بضع دقائق؛ لشراء ذلك المشروب الصباحي الساخن من أحد مقاهي الطريق، حيث إنه يمثل لنا الوقود العقلي الذي يجعلنا في حالة مزاجية متزنة، تساعدنا على إكمال رحلتنا والوصول إلى المكان المنشود بكل سكينة وهدوء.
دعوني هنا أتوقف قليلاً وإياكم لنقطع ذلك المشهد، وننتقل إلى مكان آخر؛ لنتحدث ونتحاور سويا، حيث الأفكار مختلفة والزوايا متنوعة والجوانب الإنسانية في أعلاها، وأن أطلب منكم إعادة ذلك الشريط الزمني بأحداثه وشخوصه، مع إجراء بعض التغييرات والتحديثات فيه، فبدلًا من شراء مشروبنا الصباحي من خارج المنزل نقوم بإعداده إعدادًا منزليا قبل مغادرتنا، مع إلغاءٍ تام لمحطة التوقف تلك، ثم نستمتع بشربه رشفة تلو رشفة؛ حتى نصل إلى وجهتنا.
أظن أن التغيير الذي طلبته منكم يحتاج إلى توضيح عن العلة والسبب من ورائه، فأقول لكم مخاطبًا ذواتكم المحبة للخير:
إن هدفنا من هذا التغيير البسيط هو أن نفتح لنا بابًا مع الله سبحانه وتعالى، ويكون مصنوعًا من صفة العطاء، فماذا لو تنازلنا عن شراء مشروبنا الصباحي ليوم واحد في الأسبوع، وتبرعنا بقيمته إلى جمعيات البر والإحسان المنتشرة في ربوع بلادنا؟!
إن جوابنا عن علامة الاستفهام تلك يحتاج إلى معرفة دقيقة لمعنى العطاء وما يتضمنه من معانٍ روحية وإنسانية راقية، ثم تجسيد تلك الصفة بأفعالٍ على أرض الواقع تؤكد فهمنا الصحيح لمدلول وجوهر العطاء، فيكون لنا ذلك حافزًا كبيرًا على أن نعطي بل ونستمتع ونسعد بعطائنا، كيف لا ونحن نشاهد ثمرات العطاء جلية في مجتمعنا من خلال ما تقدمه جمعياتنا الخيرية من مشاريع وبرامج متعددة تخدم شريحة كبيرة من المحتاجين والمعوزين، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا إيماننا جميعًا بقيمة العطاء.
وحتى يتحقق التغيير في المشهد، ندعو المسؤولين في جمعيات البر والإحسان أن يستحدثوا في مواقع جمعياتهم على الإنترنت برنامجًا جديدًا تحت مسمى «تبرع بقيمة مشروبك الصباحي» أو نحو ذلك؛ تشجيعًا منهم لجميع أفراد المجتمع بأن يبادروا بالعطاء والتبرع بقيمة ذلك المشروب.
أقولها وبملءِ الفم بأننا لو قمنا بعملية حسابية لحجم المبالغ المالية التي تصرف كل صباح لشراء هذا المشروب، فسنجد أنها تغطي نفقات كثير من الأسر المحتاجة في بلادنا، وكل ذلك لأننا تنازلنا طواعية بقيمة مشروبنا الصباحي ليوم واحد في الأسبوع فقط.
أظن بأن سعادتنا ستكون كبيرة بحجم قلوبنا، فهذا التنازل والعطاء القليل عندنا هو في الجهة الأخرى كبير وكبير جدًّا، ويد العطاء يد بيضاء تصافح كل محتاج وفقير، وتجعل حياتهم أفضل وأجمل.
هل اخترت اليوم الذي ستتبرع فيه بقيمة مشروبك الصباحي؟!