حسين القصاب قائدا

ربما تعاشر خلال سيرتك التعليمية الكثير من المدراء والمسؤولين، لكن ثمة محطات لا يمكنك أن تغفل عنها، فالتعليم مر بتجارب كثيرة من بقاء المدراء أو القادة في مناصبهم، ثم طرحت فكرة التدوير بحيث لا يبقى أكثر من ستة أعوام دراسية في مقره.
وكوني عملت أغلب سني مهامي التعليمية مع ذوي الإعاقة؛ متنقلا من معهد النور إلى برامج الدمج المتنوعة؛ كمعهد الأمل وبرامج ودمج المكفوفين حتى توقفت مع ذوي الإعاقة العقلية في مدرسة ربعي بن عامر وهي أكثر مدرسة استقريت بها.
وخلالها مرت علينا عدة إدارات متعاقبة تشابهت واختلفت من حيث الأثر والقدرات لكن أسرعها مدة مع القائد القصاب والذي لم تستمر إلا فصلين دراسيين خلال العام المنصرم 1446 هـ ، لكنها كانت تجربة مفعمة.
فلا يخفى على الجميع أن مدرسة ربعي بن عامر من المدارس التي يأنس بها أي مدير أو قائد لكونها تحمل مؤهلات وكوادر من المعلمين والإداريين الذين يقفون مع الإدارة.
لكن القصاب من خلال الفترة الوجيزة استطاع أن يخلق جواً غير اعتيادي بحيث تحولت غرفة الإدارة إلى ملجأ ومأوى لكل معلم، حيث مرت على المدرسة فترة كانت تلك الغرفة عبارة عن أطلال يدخلها المضطر أو من له حاجة ماسة.
امتاز أبو علي القصاب بصفات القائد الملهم ”رغم مرضه“ فكان الشخص الذي يتمتع برؤية واضحة ويسعى لتحقيقها ويقوم بأدوار التحفيز للجميع سواء الطلاب أو الإداريين أو المعلمين.
رغم أنه على موعد قريب من التقاعد لذا كان لزاما علينا أن نصفه بالقائد الملهم فتواصله الفعال مع جميع أفراد المدرسة من طلاب ومعلمين وأولياء أمور، حتى سعى لصيانة المدرسة من ملاعب وغيرها عبر الشراكة المجتمعية مع أهل الحي.
فتجده يلهم ويحفز الجميع لتحقيق التطلعات بإيجاد بيئات إيجابية وفي نفس الوقت تجده القدوة الحسنة من خلال سلوكه وأخلاقه وتفانيه في العمل وهو في أحلك الظروف الصحية تراه أول الحاضرين للمدرسة.
أما استماعه الفعال فيأسرك حين تجاذبه الحديث في أمر له تأثير إيجابي للمدرسة، فتجده المبادر لإحياء الفكرة دون تواني لطرح الأمر واستشارة المسؤولين منطلقا من التفكير الايجابي الذي يتحلى به تجاه التحديات ليحولها إلى فرصة للنمو والتطور.
جعل من همه الكبير التركيز على التعليم المستمر وعمل بما أوتي من قوة إلى حضور الدورات التعليمية وإتاحة الفرصة والمجال للمعلمين الراغبين، وفي نفس الوقت يقدر جهود المعلمين والطلاب ويحتفي بهم من خلال الطابور الصباحي، ومن يتعايش مع القصاب سيجد سعيه الحثيث لبناء ثقافة إيجابية في المدرسة عمادها الاحترام والتعاون المتبادل.
فلن نغالي إذا قلنا عنه أنه شخصية قيادية بامتياز استطاع خلال فترة وجيزة أن يحدث تغييراً ايجابياً في المدرسة، عبر الهام الجميع أن الحياة مستمرة وهناك إمكانية لتحقيق الأهداف وتطوير الإمكانات الكامنة.
همسة؛ لو اقتبست كلمات الوداع من المعلمين له لم اقف وسيصبح المقال كراسة لكني رمت الاختصار لبيان حال كفاءة وطنية تستحق التمجيد.
رحلة سعيدة بعد التقاعد مع وافر الصحة والعمر المديد.