كي لا نترك جروحاً غائرة في النفوس

الكلمات الجارحة التي تقال ويُتلفظ بها دائماً ما تترك جُروحاً غائراً في النفس على مر الزمن، وتَعلُق بالذاكرة من دون نسيان، وربما تتحول إلى ما يشبه العقدة عند المجروح، خصوصاً حين تمر عليه أحداث ومواقف تستفز ذاكرته، وتُعيد له الذكريات المؤلمة التي تعرض فيها للإهانة والتجريح. فكم هم هؤلاء الذي تعرضوا وهم أطفالاً صغاراً للعنف اللفظي والكلمات المهينة، حيث كانوا يوصمون بالغباء والفشل والقبح، فتأثرت بها مشاعرهم، وتركت في نفوسهم جُروحاً غائرة، ظلت عالقة في الذاكرة من دون أن تُمحى.

ولعل الأمر الأكثر مرارةً وإيلاماً هو ما يتعرض له الطفل من تعنيف وقسوة خلال فترة تربيته في سنواته الأولى، أو خلال مراحل التنشئة التالية، خصوصاً بعد دخوله المدرسة، مما يترك في نفسه الخوف والرهبة، ويُدمّر نفسيته، ويعيق تعلُّمه، ويترك أثره العميق والمؤلم جداً في النفس، وينحفر في الروح، ويصبح كالسهم المغروس في القلب، ويظل يرن في الأذن، وعالقاً في الذاكرة مهما طال الزمن، ومن دون أن تمحوه السنون.

وهل يشك أحد في أن الكلمات المؤلمة والجارحة، والمعاملة السيئة والقاسية، التي يتعرض لها الطفل خلال مرحلة الطفولة، لها آثارها السيئة والمدمر في حياته؟ فالتوبيخ والإهانة، خصوصاً حين يكون ذلك أمام الآخرين، ووصفه بالغباء والفشل، أو معاملته بقسوة، والصراخ في وجهه، وتهديده بالعقاب القاسي والحرق والحبس، له عواقبه الوخيمة على الطفل ومستقبله، ويؤدي إلى انكساره، وفقدانه الثقة في نفسه، ويشعره بالألم النفسي، مما ينتج عنه تبلد في أحاسيسه، وقتل لكبريائه وعنفوانه، ويتسبب في انطوائه على نفسه، وانعزاله عن المجتمع، وتقوقعه على ذاته.

تشير الاستشارية التربوية إيمان صديق إلى "أن تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره بالنقص والمهانة يعد من الممارسات الخاطئة في التربية، وله آثاراً سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم. والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين، مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ. وتضيف صديق بأنه إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه فينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه، وإنما ينصحه منفرداً عن زملائه.

كما أنه من الضروري تجنُّب احتقار الأولاد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم وبحديثهم، لأن ذلك يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه، وكثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة. ومن أخطر ما ينعكس على نفسية الطفل هو أن تبث فيه الإحساس بالذنب عن طريق تحقيره أو حمله على الخجل من نفسه؛ فالفكرة التي تغرسها في الطفل أن به نقصاً لن يفلح في علاجه مهما حاول، وأنه لهذا يستحق العقاب، ويعتبر ذلك من أسوأ ما يمكن أن يغرس في نفس الطفل، ويلحق الضرر بكيانه العاطفي. والصراحة تقتضي القول بأن الأشياء التي يحقر الآباء أبناءهم بسببها ربما عانوا هم من أجلها مرارة الإحساس بالذنب في صباهم على أيدي آبائهم".

وعلاوة على ذلك فإن للكلمات الجارحة انعكاساتها الاجتماعية السلبية. إذ من المحتمل أن تؤدي إلى انتقام المجروح لكرامته، ليس فقط ممن جرحة وأهانه، بل ربما يمتد ذلك إلى المحيطين من حوله كردة فعل، حيث يذهب ضحية هذا الانتقام أناس أبرياء ليس لهم علاقة أو صلة بالأمر، مما يتسبب في تكرار المأساة مع أناس جدد، وفتح جروح جديدة، قد لا ينفع بعد فتحها الشعور بالندم والأسف، ولا محاولات الترميم والإصلاح.

لذلك كان من اللازم عند الحديث والتخاطب مع الأبناء انتقاء الكلمات المناسبة، لما للكلمات من آثار واضح على مجريات الحياة العائلية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يدعونا إلى الحذر عند توجيه الكلمات، فربما كلمة جارحة تكون سبباً في تدمير نفس بريئة، وتترك فيها جرحاً غائراً لا يندمل، ويصعب نسيانه. غير أن الكلمات الإيجابية التي تقال، والمعاملة الطيبة الحسنة، تترك آثاراً إيجابياً في نفسية الفرد، وسبباً للدعم النفسي، وبناء الثقة بالنفس، وقوة الشخصية، مما ينعكس بالتالي على علاقاته بالمحيطين به بشكل إيجابي وخلاق.