وصلنا.. إلى محمل الجد

بعد توقف دائم أكثر من سبعين يومًا جُمدتْ خلالها معظم اشْكال الحياة التي كانت عبارة عن أمواج متلاطمة وسط محيط عميق مليء بالتقلبات والتيارات المتحركة، والعاتية التي تجرف كل من يقف أمامها، فالسمك الميت هو من يسبح مع التيار ”قاعدة ذكرها ريتشارد تمبلر في كتابه قواعد الحياة“ الحياة نعمة تستحق منا المقاومة والصراع من أجل البقاء، وحتى لا تسحقنا تلك التيارات القوية علينا أن نجيد السباحة، نحن كجيل معاصر تعصف بنا تيارات قوية تجعلنا في وسط الدوامة التي تحدث وسط المحيط، حتى لا نصل إلى مركز الدوامة ونتلاشى يجب التشبث بالحواف حتى تلقي بنا الأمواج إلى الشاطئ، ولكي نبدأ عملية الإبحار من جديد، وتكون الرحلة القادمة هادئة وآمنة وأقل مخاطر. 

لابد من إعادة خططنا على أُسس مدروسة وسليمة مع محاولة الاستفادة من الأخطاء السابقة، فالمنعطفات في حياتنا سواء كانت ناجحة أو فاشلة هي مهارات اكتسبناها وتخولنا لنجاح قادم مشرق إذا احسنا التصرف، فهذه المرحلة التي أوصلتنا إلي محمل الجد بعد مشقة وأزمة عاصرناها أخذت منا الكثير وجعلتنا كالحبوب تطحنه الرحى، فوضعنا مع الأزمات والمشكلات كمن يتلقى الضربات الواحدة تلوى الأخرى، وبالتالي فالقادم لا يحتمل فوضى واستهتار، بل وعي ومسؤولية.

 انتهاء مرحلة الحظر تعني أن نقيم المهارات التي اكتسبناها خلال فترة الحظر، فالخلاصة هي ماوصلنا إليه من قناعات، واسلوب حياة جديد مختلف عن السابق، بالتكيف مع مستجدات الحياة القادمة التي سوف نتعايش معها بما في ذلك كيفية الاقتصاد وحسن التدبير، الاقتصاد على الأولويات وترك الثانويات، وكبح جماح الرغبات، وتهذيب النفس على الاعتماد الذاتي، كذلك ترويضها على بناء حواجز نفسية تحول بين كل ما هو خارج حوائجنا الأساسية.

فسبعون يومًا من التهذيب والتربية النفسية، سواء كان ذلك على المستوى الذاتي أو الأسري والاجتماعي، فهي ذخيرة جيدة لالتزام أكثر وعيًا ونظامًا، فالانطلاق بهذه التربية الروحية والتهذيب النفسي مناعة واقية من الإصابة بأي داء، وحاجزًا نفسيًا منيعًا مضادًا لأي أزمة حتى ولو استمرت الجائحة، فما تسلحنا به من أسلحة روحية، وقوة إيمانية كفيلة لمواجهة كل جائحة.

بدرية آل حمدان