المنبر بين العناوين البراقة وجدلية التطبيق

لا زلنا على العهد بأن نسجل ولو مشاركة واحدة سنوياً في الإمام الحسين وقضيته العادلة، ففي كل سنة نتناول جانباً واحداً في فضلها وأحقيتها وفضل صاحبها .

ولن أتوغل في مثل هذه الجوانب فقد تكلمنا عنها وفيها في مشاركات سابقة، ولابأس أن نذكر ولو رواية واحدة في فضل مواساة الإمام والبكاء عليه فعن إبراهيم بن أبي محمود، عن مولانا الرضا أنه قال: «فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام» «1».

ولا ريب في فضل البكاء على سيد الشهداء ، ولكن لن نتناول ذلك في هذه المشاركة كما قلنا بحكم تناولها في مرات سابقة وفي هذه المشاركة نتناول على عجالة المنبر ورسالته من حيث العناوين والقوة والضعف في إيصالها للمستمع وما هي عليه بين الأمس واليوم، وهل أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وبرامجه ساعدت المنبر أم حدت من الاستماع إليه وبالذات بالشكل المباشر؟

وفي وجهة نظري القاصرة كما نقول دائماً أن معظم الأجهزة تعتبر سلاح ذو حدين فقد تكون جيدة حيناً وسيئة حيناً آخر.

فهي جيدة من حيث أنها خدمة المنبر على مستوى الانتشار فالتلفزيون والانترنت التي نشاهد من خلاله كاليوتيوب مثلاً أو التيك توك والفيس بوك وغيرها كل ذلك خدم المنبر من حيث الانتشار فأوصل صوت المنبر إلى أقصى العالم.

ومن جهة أخرى سلبية أن مثل هذه القنوات والبرامج ربما أضعفت الجانب الحضوري لدى البعض بحيث أنه يكتفي بمشاهدة المحاضرة المنبرية على مثل هذه البرامج وهذا كما هو واضح لا يخدم الجانب التربوي والاجتماعي للقضية الحسينية.

ونبقى في الجانب الحضوري للاستماع المنبر وتسليط الضوء على الخطيب فلابد له «أي الخطيب» أن يكون على وعي تام بالرسالة التي يقدمها للمستمع وأن يبدأ بنفسه بتطبيقها حتى يؤثر في المستمع، فإن سبب ما يحدث اليوم من عدم التأثير فكرياً ورسالياً بالشكل المطلوب «إن صح التعبير» في المستمع هو في الأكثر وليس في الأعم؛ لأن البعض من الخطباء ناصح وواعي والأكثر كما قلنا للأسف لا يطبق ما يقوله على المنبر فبالتالي يفقد المستمع المصداقية والهدف التربوي والأخلاقي من المنبر فلربما يأمرك أو يحثك ذلك الخطيب على التعامل الحسن مع الناس وهو يتعامل معك بغلظة أو يتعالى عليك في بعض المرات أو يأمرك بأمر وهو لا يأتمر به فأتذكر منذ فترة ليست باليسيرة أني كنت جالساً وحيداً، وأنا عندما أجلس وحيداً لا إرادياً أشغل نفسي بالنواعي على سيد الشهداء فدخل أحدهم فجأة وسمعني وكان أحد القائمين على المآتم فقال تعال لتقرأ عندنا فقلت له أنا لست خطيباً فأصر عليه فأقسمت له بالأَيّمَان المغلظة أني لست خطيباً، وما هي إلا أيام معدودة وإذا به يتصل بي ليقول الناس ينتظرونك في المأتم فما كان مني إلا أني اتصلت بأحد الخطباء وأخذته إلى هناك وكان عنوان محاضرته الدعاء، ومما قاله في محاضرته؛ كيف يستجيب الله الدعاء الذي يدعو به مَن في تلك الغرفة وفي الغرفة المجاورة ذلك اللعين «يعني الدوش، الستلايت»، بعد أن انتهى أخذته لأوصله إلى بيته وإذا بذلك «اللعين» على سطح داره!!

فهذا التناقض ولا شك يؤثر في مصداقية ذلك الخطيب وربما في مصداقية المنبر لدى البعض.

فيجب على الخطيب أن يكون صادقاً وأن يطابق قوله على المنبر عمله في حياته اليومية حتى يكون خير ناقل لرسالة مولانا أبي عبدالله الحسين وأن يتخير من العناوين التي يستطيع هو تطبيقها لا مجرد اختيار لعناوين براقة تجذب الجمهور وفي نهاية المطاف يكون هو سبب لمخالفتهم لتلك العناوين والمحاضرات لأنه لم يطبقها.

والكلمة الأخيرة جيد من الخطيب أن يشرك الجمهور في عملية اختيار العناوين لمحاضراته والحق يقال أن هناك من الخطباء المتمكنين من يعمل بهذا وقد شاركنا في ذلك.

نسأل المولى الكريم أن يوفق العاملين والباذلين والمتصدين لنصرة وخدمة سيد الشهداء إلى معرفة حقه وبذل المزيد في خدمته وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين

الذين بذلوا مهجهم دون الحسين

 

«1» - المجلسي، العلامة الشيخ محمد باقر - بحار الأنوار، ج44 ص 284 - ط3 - 1403 هـ 1983م - مؤسسة الوفاء بيروت، لبنان.