إنسانية أعلى لهم وأقل لغيرهم!

شركة أغذية تنتج وتصدر منتجاتها لجميع أنحاء العالم. تلك الشركة تنتج منتجات بجودة عالية وتصدرها لدول الغرب، التي تضع معايير جودة عالية لاستيراد الأغذية والمشروبات، وتنتج نفس المنتجات لكن بجودة غذائية وصحية أقل وتصدرها للدول النامية، التي لديها معايير استيراد أقل أو بدون أي معايير.

قانونياً، عمل تلك الشركات سليم جداً ولا غبار عليه، لكن تكمن المشكلة عندما ننظر لعملها من الناحية الأخلاقية. على الرغم من أن الدول تضع القوانين والمعايير لحماية نفسها أولاً ولتنظيم العالم ثانياً لكن تختلف تلك القوانين والمعايير من مكان لآخر، التي تكون نتيجة لعوامل اجتماعية، اقتصادية، سياسية، دينية، بيئية وأخلاقية مختلفة. وعلى الرغم من عدم انتهاك تلك الشركات لأي قوانين موضوعة، لكن أخلاقياً، هنالك علامة استفهام كبيرة تعتليها! جودة أو إنسانية هي الأعلى لهم وأقل لغيرهم؟ هذا ما يقوم به أيضاً بعض التجار، الذين يغرقون الأسواق باستيراد البضاعة متدنية الجودة أو الرديئة، التي للأسف تباع لاحقاً بأسعار مرتفعة بالمقارنة بسعر التكلفة، التي يكتشف فيما بعد أنها تحتوي على مواد كيميائية مسرطنة أو ألوان سامة!

ربما لاحظ قرائي الأعزاء تكراري لفكرة تجاهل الشخص أو المؤسسة لأي مسائل أخلاقية طالما كانوا متقيدين بالأنظمة والقوانين وعدم تكبد عناء التفكير في العواقب الأخلاقية التابعة لذلك القرار أو التصرف. وللتوضيح، فأنا هنا لا أشجع على عدم الالتزام بالأنظمة أو على خرق القانون، لكني أسلط الضوء على بعض الحالات، التي يكون لدى الشخص الخيار لاختيار القرار الأفضل أخلاقياً لكنه يختار الأفضل له سواء من ناحية التكلفة أو الجهود والعناء المبذول، خصوصاً إذا كان لا ينتهك أي قانون. أيضاً الحالات التي بإمكان الشخص فيها التغاضي قليلاً إذا كان القانون الموضوع صارماً جداً ولا يخدمنا للوصول لنتيجة إنسانية أفضل. ويتبع تغاضي الشخص تغاضي الجهات القانونية الرسمية أيضاً عن أن تعاقب ذلك الشخص أو المؤسسة إذا ثبت أن قرارهم في عدم تطبيق النظام، كان للصالح العام.

برأيي أن بذل الجهد وأخذ الوقت الكافي للتفكير ولمحاولة إيجاد أقرب الحلول للصواب، من وجهة نظر الشخص، حتى لو لم تكن صواباً، هو كافٍ لإرضاء صوت الضمير ولربما كانت تلك الدقائق من الوقت كافية وكفيلة بأن تكون شفيعة له يوم القيامة. ولربما أصبح شرف تلك المحاولة حائلاً بينه وبين عقاب الله سبحانه.

وللتوضيح أكثر، ربما مر على الكثير منكم مقاطع لمحاكمات القاضي فرانك كابريو الفريدة من نوعها، حيث أسقط مرة الغرامة المالية عن مسن في 96 من عمره تجاوز السرعة المسموح بها في منطقة مدرسية؛ لأنه وفي ذلك العمر الكبير كان يوصل ابنه البالغ من العمر 63 سنة المعاق والمصاب بالسرطان للمشفى لعمل بعض الفحوصات.

كاتبة صحفية