ألف حياة للقارئ

عندما يفقد المرء ثروته ويبقى علمه فإنه قد يستطيع استعادتها، لكنه عندما يفقد العلم فإن ثروات الدنيا قد لا تفيده لكي يبقى في مستواه؛ فالعلم هو الباقي ويفنى ما دونه.

ولذلك فإن العقاد لم يكن يبالغ حين قال: القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب. وهو ما قصده جورج مارتين حين قال: يعيش القارئ ألف حياة قبل أن يموت، أما ذلك الذي لا يقرأ أبدًا فيعيش حياة واحدة فقط. كما أنه هو أيضًا ما عناه يون كالمان حين قال: الحياة تتسع عندما تقرأ، إنه يشبه اكتسابك ما لا يمكن لأحد أن يأخذه منك أبدًا.

وترجع أهمية القراءة إلى أن الإنسان إنما تتعاظم أهميته في هذا العالم بمقدار ما يضيفه إليه، وهو يستطيع القيام بذلك من خلال المراكمة على العلوم والمعارف التي توصل إليها من جاء قبله، الأمر الذي يمكن القيام به إما بمصاحبة العلماء والمفكرين ومجالستهم، أو بالاطلاع على نتاجهم من خلال القراءة التي تعد ”الوسيلة الوحيدة التي تحيينا حياة الآخرين، وتعطينا صوتهم، وتُسكننا روحهم“، كما قالت الروائية الأمريكية جويس كارول أوتس. وهو ذاته ما كان الكاتب الإسباني كارلوس زافون يعنيه في ردِّه على والده، الذي غضب منه حينما علم بأنه سوف يصبح كاتبًا وقال له: لطالما اعتقدت أن جميع الكُتاب انتهى بهم المطاف بائسين تحت الجسور يأكلون الصراصير، فرد عليه كارلوس: ما أردته هو البقاء على قيد الحياة يومًا بعد يوم «يعني بذلك بواسطة كتبه».

*من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين عاماً، أما من يقرأ يعيش خمسة آلاف عام. القراءة أبدية أزلية. أمبرتو إيكو