التعذيب في فكر المرجع الشيرازي

 

المرجع الشيعي السيد محمد الحسيني الشيرازي «1347 - 1422هـ» من الفقهاء القلة الذي حاول جاهدا أن يظهر رؤية الاسلام في الحقول السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وهو بذلك مزج بين الاصالة والتأصيل فولد رؤئ اسلامية جميلة في قضايا العصر. كان من أشد المؤمنين بنظرية اللاعنف في الاسلام فكتب في هذا الحقل الكثير الكتب لايمانه التام أن الاسلام دين يعتمد على السلم والسلام. في ذكرى اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب الذي يصادف 26 /6 من كل عام، سأحاول أن أضع مقتطفات من كتابات السيد الشيرازي التي أشار فيها إلى التعذيب، وهدفي من ذلك اظهار أن الفكر الاسلامي يرفض التعذيب والكتابات التي يكتبها بعض علماء المسلمين في مشروعية التعذيب يجب مناهضتها وهذا واجب اجتماعي على مختلف الشرائح الاجتماعية إذا أردنا أن نتخلص من المرض العضال «التعذيب» الذي ينخر جسد الأمة الاسلامية ويفتك بأبنائها البررة.

 حرمة وخطر التعذيب

- لقد كثر التعذيب في البلاد الإسلامية وغيرها مما يدل على التخلف الكبير، ففي كل بلاد الإسلام ترى قساوة التعذيب حسب ما رأيناه وسمعنا به منذ نصف قرن. مع العلم بأنه لا تعذيب في الإسلام إطلاقاً، وهو من أشد المحرمات، فإنه إهانة للبشرية ولكرامة الإنسان الذي قال في حقه تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم». كما هو إهانة للمعذِّب ـ بالكسر ـ أيضاً قبل أن يكون إهانة للمعذَّب ـ بالفتح ـ حيث يدل على خبث سريرته وضعفه وعدم خضوعه للحق بل اتباعه لسبيل الشيطان، وعدم تمكنه من إفهام الطرف بالحوار والمنطق. ولا فرق في حرمة التعذيب بين أن يكون المعذَّب ـ بالفتح ـ مسلماً أو غير مسلم، بل حتى لو كان محارباً للمسلمين، ثم استولى المسلمون فلم يجز أن يعذَّب، وإن عذّبه شخص نهاه الإسلام أشد نهي ـ كما ذكره الفقهاء ودل عليه إطلاق الأدلة مثل: «لا يعذب بالنار إلا رب النار»، وما أشبه مما ذكر في النص والفتوى. «كتاب: لماذا الكوارث»

- ما نراه من التعذيب المنتشر في بلادنا هو بسبب عدم الإيمان بالله عزوجل، وعدم الوعي، وعدم التعددية السياسية، وعدم استقلالية القضاء، وما أشبه. «كتاب: لماذا الكوارث»

- ان أي تعذيب مهما كان لونه ومهما قيل في مبرره، ممنوع ومحرم قطعاً، لم ينزل الله به من سلطان، فعلى الممارسين للحركة أن يتجنبوه مهما كلف الأمر، سواء في داخل الحركة أو خارجها، وسواء قبل وصولهم إلى الحكم أو بعد وصولهم اليه، وسواء بالنسبة إلا الأصدقاء أو الأعداء..

فإن من يهين كرامة الإنسان لا يتمكن أن يدافع عن كرامة الإنسان ومن يمارس التعذيب ولو لمرة واحدة ويقول إني أريد إيصال الإنسان إلى الكرامة لايكون كلامه إلا هراءً وسخفاً، فإنه لا يصل إلى الهدف أولاً، ويحاكم محاكمة المجرمين في المحاكم الإلهية ثانياً، وتهدر كرامته في المجتمع الذي يطلع على ممارسته ثالثاً..

وهناك قسم من أصحاب القدرات يتصورون أنهم لو مارسوا التعذيب لا تصل أنباؤه إلى المجتمع، ناسين قوله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون». «كتاب: كيف ينظر الاسلام إلى السجين»

- لا شك انه من الممكن أن يستظهر الإنسان الحق ـ الذي يريد بعض استظهاره لا بسبب التعذيب ـ ويتوصل إلى الواقع، بواسطة الأدلة والشواهد وتكثير الأسئلة والأجوبة أو ما أشبه ذلك من القضايا المعروفة في قضاء أمير المؤمنين .

فلا يقال: إنه اذا لم يمارس التعذيب في حق المجرمين فسوف لايعترفون بالواقع، وبالتالي يبقى بعض الحق خافياً، كما هو منطق الدكتاتوريين.

فإنه يقال: أولاً: بقاء بعض الحق خافياً أفضل من إهانة الحق بالتعذيب. وثانياً: في التعذيب أيضاً يبقى ذلك، فبعض المعذبين يعترفون على أنفسهم زوراً وكذباً للتخلص من آلام التعذيب وهو أيضاً تغطية للحق.

كما يلزم على ممارسي التغيير عدم ممارسة التعذيب إطلاقاً على ما ذكرناه، كذلك يلزم عليهم تقليص السجون والسجناء، إلى أقل قدر اضطراري، فانه بالإضافة إلى انه كبت حريات الناس محرم قطعي في الشريعة الإسلامية، فإن السجن من أبرز مصاديق كبت الحريات. ولا يمكن أن يكون من يدعو إلى الإسلام يخالف الإسلام في حكم مهم من أحكامه، بالإضافة إلى ذلك كله فإن للسجن أضراراً كثيرة لا يجبرها شيء، ولا ينبغي للعاقل أن يلجأ إليه إلا في قصوى حالات الضرورة من جهة الأهم والمهم والضرورات تقدر بقدرها. «كتاب: كيف ينظر الاسلام إلى السجين»

- مسألة: لا يجوز تعذيب أحد سواء بالوسائل القديمة كالسياط، أم الوسائل الحديثة كالكهرباء، نعم في الموارد الخاصة المقررة في الإسلام تجرى الحدود والتعزيرات كما ذكر في كتاب الحدود والقصاص.

* علماً بأن الحدود الإسلامية ليست تعذيباً، وإنما هي أحكام جزائية قررها الإسلام في موارد خاصة بعد ثبوت الجريمة ثبوتاً شرعياً لحفظ نزاهة المجتمع وضمان أمنه وسلامته، والأدلة على حرمة التعذيب كثيرة، ولا فرق في حرمة التعذيب بين التعذيب الجسدي أو الروحي، ولا يجوز تعذيب المجرم وحتى الكافر فكيف بالبريء، أما الحدود والتعزيرات فالمقرر منها في الإسلام شيء قليل جداً، وهو مشروط بشروط تجعله في غاية الندرة، ثم أنه ذكرنا في كتاب «الفقه: الدولة» جواز تبديل الحاكم الشرعي ـ في التعزير ـ السوط ونحوه بالغرامة أو السجن المعقول أو عقوبة أخرى مثل منع السائق المخالف من السياقة مدة إلى غير ذلك. «كتاب: الفقه المسائل المتجددة»

- مسألة: لا يجوز التعذيب لأخذ الاعتراف.

* للنص الخاص والإجماع القطعي ودليل العقل، ومن المعلوم إنه كلما غلظ التعذيب كمّاً وكيفاً كان أشد حرمةً.

لا يقال: فكيف يؤخذ الاعتراف؟

لأنه يقال: أما بالنسبة إلى حقوق الله تعالى كالزنا واللواط فلا يجوز أخذ الاعتراف إطلاقاً، وأما بالنسبة إلى حقوق الناس كالسرقة، فيلزم أن يكون الحاكم خبيراً حتى يأخذ الاعتراف من دون إكراه المجرم، كما نراه في قضاء أمير المؤمنين وبعض الأنبياء . «كتاب: الفقه المسائل المتجددة»

فضح التعذيب

- ثم إنه يلزم فضح التعذيب، والحيلولة دون وقوعه، ولا يكون ذلك من التدخل في الشؤون الداخلية، بل حتى وإن كان، فإن قانون أن الأمر الداخلي لا يرتبط بالأمم المتحدة وما أشبه غير صحيح. فالإسلام لا يرى فرقاً بين الأمور الداخلية والأمور الخارجية في ذلك، فلا فرق في من يضطهد إنساناً بين أن يكون خارج الوطن الذي قرروه أو داخل الوطن، فقد قرر الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن المظلوم، سواء كان تارك المعروف أو فاعل المنكر من نفس القوم، أو الوطن، أو اللغة، أو غيرها من أبعد من يكون حسب اصطلاحهم. وقد أعطى أمير المؤمنين علي الماء للجيش المحارب له، مما تعلّمه من رسول الله «صلّى الله عليه وآله»، وتعلّم منه الإمام الحسين في طريقه إلى كربلاء. «كتاب: لماذا الكوارث»

- لو فكّر كل كاتب بذلك الإنسان الذي يتعرّض للتعذيب مثلاً في سجون صدام، وانه ينقل من غرفة إلى أخرى ويعذّب أشد تعذيب، لو كان في مكانه ماذا كان سيتوقّع من كتّاب العالم؟ أليس كان يتوقّع منهم أن يتحرّكوا للدفاع عنه وللكتابة عن أنواع التعذيب التي يتعرّض إليها؟ فإذا كان الأمـر هكذا فلماذا يبخل الكتّاب عن ذكر الحقائق وتبيانها للعالـم ووصف ما يتعرّض إليه المضطهدون من أنواع البلاء والمآسي على أيدي الجلادين.

إن ضريبة الحياة الحـرة التي يعيشها الكاتب هي أن يتذكّر أولئك المقهورين الذين يتعرضون إلـى شتى أنواع التعذيب والسجن والقهر، فالكاتب هو إنسان كبقية البشر ويتحسس لآلام البشر، بل هو أكثر تحسساً لأولئك الذين يدفعون ضريبة عقائدهم في السجون والمعتقلات فأقل مـا يمكـن أن يقدّمه لأولئك المضطهدين هو نقل آلامهم عبر السطور وتصوير ما يجري عليهم على صفحات الكتب ليعرف العالم ما يجري عليهم.

إنّ الإنسان مسؤول عن أعماله كما هو مسؤول عن أعمال غيره أيضاً إذا استطاع أن يغيّر اتّجاه أعمال الآخرين، من جانب الشر إلى جانب الخير، وقـد قال عيسى المسيح : «التارك مداواة الجريح كالجارح له».

أضف إلـى ذلك فإنّ الإنسان مسؤول عن أعمال المنكرات التي يرتكبها الآخرون فعليه أن ينهى عن المنكر ويحاول أن يجنِّب الآخرين من الوقوع فيها.

وربّما استشكل البعض عـن جدوى الكتابة عن التعذيب، وعن قدرة الكتّاب على منع الطغاة من ممارسة التعذيب؟

والجواب: الكتابة نافعة كثيراً في هذا المضمار فقد كانت أوربا في يوم من الأيّام يعمها الظلم، وكانت هناك مراكز للتعذيب والنيل من الإنسان، لكن توقّف كلّ شيء على أثر الكتابة المتواصلة فقد كتب كبار المفكرين الأوربيين عن ممارسة الحكومات للتعذيب، ودعوا إلى منح الحقوق الشرعية والسياسية. والآن وبعد مدّة ليست بالطويلة نجد أن دول أوربا أقلعت عن ممارسة هذه الرذيلة بشكل عام، وكذا الأمر في سجون الهند واليابان سابقاً كان يمارس فيها التعذيب على أشدّه، والآن لا نجد تلك الممارسات المخجلة الشنيعة. من هنا كان لزاماً على كتّابنا المسلمين أن يواصلوا كتابتهم حـول التعذيب وأن لا يصيبهم اليأس من مواصلة الطغاة لنهجهم، فإنّ كتاباتهم ستعطي ثمارها يوماً وستكون سبباً لإنقاذ أرواح مئات الألوف من الناس. «كتاب: إلى الكتاب الاسلاميين»