وحدة إسلامية أم اصطدام بالمجتمع؟

 

 

 

في الوقت الذي بدأت تنشط فيه التيارات المنحرفة والإلحادية في مجتمعاتنا وبدأت ترمي بظلالها على شباب الأمة الإسلامية، لازال أفراد مجتمعنا ينشغل في الوقوف ضد كل ما يقف حائلاً أمام أي مشاريع يتبنونها من خلال الإثارات المتكررة وتضخيمها في الإعلام الإلكتروني من دون التصدي للأخطار والمدخلات الكبرى.

وقد ساهمت الخطابات والكتابات التي تقف ضد بعض الاعتقادات والأفكار لدى الناس بما تحمله من نبرة استهجانية بالمجتمع في تأصيل عدد من المناسبات والبرامج الدينية التي لم تكن بالحجم المتعارف عند عامة الناس. فلم يكن الحديث والخطاب مستوعباً للاختلافات الفكرية والدينية في المجتمع، بل منفراً وقائماً على محاولة محو العقبة الكئود بالجبر والإكراه. ولا يعني كلامنا غلق باب المراجعات أوتنقيح التراث مما هو مكذوب أو مدسوس فيه بالأساليب العلمية من قبل المختصين في مثل تلك المجالات، ولسنا من دعاة الجمود الفكري أو التحفظ في كل ما هو جديد.

فبعد إخفاق وفشل مشاريع الوحدة الإسلامية في محيطنا والعالم الإسلامي عموماً والتي أخذت شوطاً لا بأس به مع التيار الديني في الطرف المقابل دون نتائج حقيقية، أصبح من الواضح ضرورة تغيير البوصلة والمفاهيم واللجوء والاستقواء بتيارات غير دينية يمثلها ظاهراً الدينيون وباطنها وأفكارها مستوحاة من تيارات ومذاهب هي محل تأمل ونظر.
ولم يكن مستغرباً خلال الفترة القريبة السابقة محاولة إشغال المجتمع بل والعمل على تقسيم كل جماعة إلى جماعات عدة عبر تتبع المحاضرات الدينية وتصيد ما يمكن العمل على إثارته وضرب المجتمع ببعضه البعض وبث الكثير من المعلومات المنقوصة والعمل على إبرازها.

وقد حاول البعض الإيهام والإدعاء بأن خطاب المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في اشتراطه للوحدة الاسلامية أن تكون تحت راية أهل البيت ليس من مباني الوحدة واشتراطاتها وأنه يخالف رأي أخيه المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي -قدس سره- ويبعث على تفرقة الأمة. فهناك من كان شغله الشاغل إقتباس عدة عبارات منقوصة من كتب الشيرازي الراحل دون إيضاح الاشتراطات الأساسية فيما كتب فيه حول الوحدة الإسلامية والأمة الواحدة وغيرها ليخيل للقارئ أن شروط الوحدة لدى الشيرازي الراحل مخالفة للواقع المعاصر واطروحاته المختلفة. ذلك أن المرجع الراحل تناولت عدة قضايا وفي عدد من الكتب يحصل أنه يمر مرور الكرام في حديثه حول فكرة معينة يكون قد تطرق إليها مفصلاً بأدلتها واشتراطاتها في كتب أخرى، إلا أن هناك من أخذ عموم الكلام وأثاره ولم يرجع للتأصيل والتفصيل.

ويتضح مما كتبه الشيرازي الراحل في عدة من كتبه ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب "فاطمة الزهراء أفضل أسوة للنساء" بأن أهل البيت هم النظام للأمة في الأحكام والعقائد والأخلاق وسائر المعاملات بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما تحدث عنه كشرط للحكم السياسي ولا يكون ذلك وغيره إلا تحت راية أهل البيت وهو نفس الاشتراط الذي يذهب إليه المرجع السيد صادق الشيرازي وغيره من المراجع المعاصرين.

يقول في كتابه: "طاعة المعصومين نظام للأمة: وأما بالنسبة إلى الحقل السياسي فقد أشارت فاطمة الزهراء إلى نقطة جوهرية في الحكم، وذلك في خطبتها الشريفة وضمن بيانها لفلسفة الأحكام حيث قالت:(وطاعتنا نظاماً للملة). فاذا أراد الناس النظام والسعادة الدنيوية أيضاً، فعليهم بطاعة أهل البيت . وإنما كانت الطاعة لأهل البيت نظاماً للأمة في أحكامها وعقائدها وأخلاقها ومعاملاتها وسائر شؤونها (..) ولا بأس هنا ببيان بعض التوضيح لسياسة الرسول والإمام أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين ليعلم مدى صحة قول فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة)، (...). ان الحكم الإسلامي الذي كان يتمثل في رسول الله وأمير المؤمنين علي والتي أكدت عليه فاطمة الزهراء في خطبتها الشريفة، يضمن للأمة الحرية والسعادة (...) بخلاف الانحراف، فان الانحراف عن سياسة الرسول وأهل بيته الطاهرين هو انحراف الإيمان والأخوة الإسلامية والحريات المشروعة، بل هو ضرب للكفاءات، وتعميم للاستبداد بعدم الاستشارة وعدم التساوي وما أشبه ذلك، وهذا يوجب تأخر الإنسان وتشتّت الأمة، فان نتيجة الانحراف ترجع أولاً إلى صاحبه ثم غيره، فالانحراف يوجب عدم التمكن من التقدم في مختلف ميادين الحياة". ويقول أيضاً – قدس سره - في كتابه دور الاستعمار في تفكيك الأمة: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"، ويمكن أن يستفاد من الآية ضرورة تمسك الأمة بالحق في المعتقدات وعدم تشتتهم في العقائد فهم أمة واحدة، ولايجوز أن يختار كل واحد منهم وبحسب هواه معتقداً وديناً وشرعاً، بل على الكل أن يتبع القرآن الكريم والرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) والأوصياء الطاهرين .

فغريب أمر من يأخذ بشيء ويترك شيء آخر، فحتى على مستوى الاستشهاد بروايات ومواقف هل البيت أصبح الأمر يخضع للمقولة الداعمة لترويج فكرة ما بالأخذ من إمام دون سائر الأئمة وفي موقف دون بقية المواقف بعيداً عن النظر لحيثيات المرحلة التاريخية والسياسية آنذاك أو الخروج بنظرة شاملة لمواقفهم ، والكلام والشواهد والمغالطات طويلة في هذا الحقل.

ثم أن هناك من غالط الآخرين بإيهامهم بأن المرجع الشيرازي دام ظله تبنى أسبوع البراءة ليضرب أسبوع الوحدة وأنه لا يتبنى الوحدة الاسلامية وغيرها من السفاسف التي لو رجعوا لكتابه السياسة من واقع الإسلام وتأملوا في اشتراطاته للوحدة والتعايش في توجيهاته لعرفوا المعنى الصحيح (راجع من عبق المرجعية). ثم أن المغالطة الكبرى هي الترويج حول أن أسبوع البراءة كان في نفس زمان أسبوع الوحدة وهذا ما لم يكن أصلاً.

ويتحسس دعاة الوحدة الحديثة من الوقوف على بعض الشخصيات أو الحديث عنها كما ينقل التاريخ. وهنا يتحدث الإمام الشيرازي الراحل في المجلد الثالث من موسوعة فقه الزهراء في تفسيره لخطبة السيدة الزهراء واستخلاص الأحكام منها بقوله:" بناءً على التأسي به فالأصل في المعارك الدائرة على جبهات الكفر والإيمان أن يركز الضربات على (أئمة الكفر) ورؤوس الضلال، وهو أمر عقلي قبل أن يكون نقلياً، إذ أن دعائم الكفر لو تقوضت تقوض ما يقوم بها دون العكس عادة، وعليه أيضاً أن يضرب على الوتر الحساس ويأخذ بخناقهم و يصيبهم في مقاتلهم دون أن يشغل نفسه بالهامشيات وبما لا يبلغ منهم مقتلاً" فـ" يجب القضاء على (أئمة الضلال) كما فعل ، فإن (ينكث الهام) أي يضرب الرؤوس أي (رؤوس أئمة الضلال وقادتهم) حتى ينفصل الاتباع عنهم، فيتمكنوا من تقرير مصير أنفسهم بأنفسهم، فيتركوا وشأنهم ـ أي من دون ارتباط بقادة الضلال ـ ليختاروا ما هو مقتضى عقولهم وفطرتهم". فهل هذا المسلك يختلف عن مسلك مختلف مراجع الدين في زماننا المعاصر؟

إن لكل مرحلة في الحياة أحداثها وفرص يتطلب استثمارها والعمل عليها مادامت الفرصة مواتية، فالإمام الشيرازي الراحل كان في كل مرحلة له موقف شرعي كما كان في فترة محاربته للشيوعيين. فإذا كانت الوحدة الحديثة لا تقوى على احتواء الآراء الداخلية بما تحمله من توجهات ودائماً ما تصطدم بالمجتمع عبر الخطب والكتابات من أجل إنجاح الوحدة في خارج منظمة المذهب الواحد فهي سياسة مغلوطة ولن يكتب لها النجاح أبدا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
بن محمد
[ القطيف - القطيف ]: 3 / 2 / 2013م - 9:46 م
احسنت وابدعت في الشرح الموزون والمتقن ... مع الأسف هكذا تعودنا على أصحاب المشاريع من توجيه الكلام بعد بتره عن أصله كي يخدم رؤيتهم ومشروعهم المتغير حسب المرحلة والمستعان بالله ... نسأل الله لهم الهداية فإن ايام العمر تتصرم ولن يبقى بعده إلا حديثا يروى .. المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن روى ...
نسأل لك التوفيق ..