زهراء القطيف نجمة الجنادرية !

الإبداع أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة ، وقيل عنه أيضاً هو أن ترى ما لا يراه الآخرون ! ، ولا يُحتكر الإبداع بأمة معينة ، أو بعرق إنساني ، فكل من يمتلك عقل يحق له أن يبدع ، وكذلك بالنسبة لحواس الإنسان ، فإن فقدت منه حاسة أو أكثر ، فإن جوهره ومكنونه وحسه الإبداعي لن يتغير ، ولن يفقد أصالته . فالإبداع لايزال مورد ومنهل قابل للعطاء مادام الإنسان يعقل ويبخص كيف تسير الأمور من حوله ، وهذا ما رأيته من فن وإبداع قل نضيره بمجتمعنا ، والذي تمثل في الفتاة العشرينية زهراء الضامن من مدينة القطيف شرق السعودية ، فإن إبداعها لم يتعثر ولم يتوقف أمام فقد حاسة بصرها ، بل حباها الله سبحانه وتعالى ببصيرة القلب وعشرة عيون برؤوس أناملها الساحرة ، فهي تبصر الأشياء من حولها أضعاف ما يبصره الإنسان العادي بعينيه .

زهراء البصيرة كما سميتها أبدعت وبصمت وأعطت مالم يستطيع فعله الكثير من البشر بعيونهم الواسعة ، والتي اقتصرت فقط على رؤية أكسسوارات الحياة والتلذذ بها ( كعادة متكررة ) دون إبداع وبصمات تذكر، فهل تصدق إنها بلمسات من أناملها تصنع مجسمات وأشكال جميلة ومطابقة للواقع ، والغريب في الأمر ، إنها لم تــر النسخ الأصلية من تلك الأشياء من قبل !

عادة نحصل على نسخة بعقولنا مما تقع عليه عيوننا بعد رؤيتها ، وهذا ما نؤمن به علمياً ونظرياً ، أو مايسمى بماهية وجود الأشياء ، لكن أن تصنع زهراء شيء من لا شيء ! فهذا هو الإبداع بعينه ، وتخيّـل ! أن يكون بمتناهي الدقة والتضاريس والأبعاد !

هذه هي سنة زهراء الضامن ، فقد أبدعت الحضور بمهرجان الجنادرية 1434 هـ ، بعد أن دعتها ودعمتها إمارة المنطقة الشرقية ، وبمرافقة وإشراف من قبل الفنانة التشكيلية الدولية الأستاذ كريمة المسيري ، والتي تبنت أن تكون برفقتها في المهرجان .. وكما علمت ، إن الفنانة المسيري عانت الأمرين في عملية المواصلات بينها وبين مبدعتنا زهراء ، والتي تقيم بسكن الجامعة بالرياض ، والمشرفة حضرت من الشرقية ونزلت بسكن المشاركين بالمهرجان ، وهكذا هو برنامجها اليومي ، رحلة يومية من سكن المشاركات بالفندق حتى سكن الجامعة وإلي الجنادرية ، في ذهاب وإياب ، لكن هذا أثمر حصاده عندما دمعت العيون مع تنهيدة خرجت من قلوب زوار المهرجان ، فبوركت زهراء وبوركت روحك وإبداعك .

إذا الإبداع حالة عقلية بشرية تنحو لإيجاد أفكار أو طرق ووسائل غاية في التفرد ( متميزة ) ، بحيث تشكل إضافة حقيقية لمجموع النتاج الإنساني كما تكون ذات فائدة حقيقية على أرض الواقع ، وهذا ما فعلته أختنا زهراء أمام الجميع ، ولم تتوقف أو تتراجع أمام عرقلة البصر ، والتي لا تراها هي عرقلة بحذ ذاتها ، لكن نحن نفعل !

السؤال موجه لك أنت يا صاحب الحواس الخمس ! ، متى ستكتشف إنك في نعمة جمة لا يعلمها ولا يعرف قيمتها إلا من حرم منها ؟ ومتى ستعرف إنك مخلوق عظيم قد أنطوى فيك العالم الأكبر ؟ فلتجلس مع نفسك قليلاً ، وتسألها :

 ماذا فعلت وماذا بصمت في هذه الدنيا ؟ فما عملي ومأكلي ومشربي سوى عادة يفعلها معظم سكان الأرض ، وما فعله المبدعون قبلنا هو المذكور والمنقول بين الأمم ، والحقيقة أنا لست بأقل منزلة منهم ، فكلنا من آدم ، ولنا عشرة أصابع باليد ، وكلنا نتملك أربعة وعشرين ساعة باليوم ، وكلنا ننام ونعطس !  إذاً العلة في داخلنا نحن ، وعزيمتنا الذابلة النائمة الخاملة ، والتي تحتاج إلي عملية إيقاظ واستصلاح ، كأرض خصبة يجلس صاحبها أمامها دون أن يستصلحها ويستثمرها ، وكأنه ينتظر أحدهم ليقوم بذلك بدلاً عنه ، ونسيّ إنه إنسان عظيم ، وأنه أهم استثمار على هذه المعمورة .

شكراً زهراء الضامن، وشكراً إنك أوضحت لنا صورة من صور عظمة الإنسان ، وإننا تعلمنا بعض مما لم نتعلمه

روائي وباحث اجتماعي