أنا أكتب في الصحافة الصفراء إذن أنا ”مُرْتَزِقْ“!


 

 

استمتعت قبل يومين بلقاء شيق وشفاف و"مليء بالتسريبات" مع زميل الدراسة السابق في معهد الإدارة بالرياض الصديق الخلوق ناصر الصيعري والذي يعمل الآن إداريا في إحدى الصحف الطائفية المحلية القريبة جداً من محيطنا، وتمارس بث سمومها النتنة يومياً دون أي رادع.

لم تكن لدي نية كتابة هذه السطور رغم المواد التي كانت تصلني يومياً في الواتساب. ومتى؟، في أيام مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) من دون احترام لانشغالنا بالمصيبة أو احترام لصاحب المصيبة أو اعتراف بحرية الآخرين في ممارسة (طقوسهم الهندية) - كما يزعمون! -، ومِن مَن؟ مِن الطارحين لأنفسهم أنهم الذين يحترمون جميع الحريات!، ويح قلبي ما أسرع أن أزعجتهم ”الكرنفالات“!

نرجع للقاء ناصر، والذي تيقنت من خلاله أن من لا يقترب كثيراً من إدارات التحرير في الصحافة المحلية لا يمكنه أن يقف على حجم الفساد الأخلاقي في هذه البيئة المأزومة، وهنا بعض الاستنتاجات القاتلة من اللقاء:

·أغلب من يُسَمون ”الكتاب الشيعة“ المتحمسين، والذين لم يبق شيء داخل البيت الشيعي لم يشوهوه، ولم تبق شعيرة من شعائرنا لم يهاجموها في الصحف الطائفية حتى رموزنا وعلماء طائفتنا المحقة لم يسلموا من مقالاتهم المغلفة بكم هائل من "عُقدة الشعور بالحقارة" التي يعانون منها، هم أقل الأقلام أجرةً وعقوداً حتى من نظرائهم الشاميين والمصريين أيضاً!

·أحد هؤلاء الكتاب لا أعرف ظروفه المادية الآن، ولكنه يتقاضى مقابل المقالة قرابة الـ ٣٧٠ ريالا فقط لا غير!، وقتها لم أتمالك أعصابي عندما عرفت كم هو رخيصٌ قلمه ولو بقي في زنزانته لكان راتب السجن أفضل له من أجرة تلك الجريدة!

·أنا: لماذا مكافآت صحيفتكم متدنية؟!
ناصر: (عكاظ) و(الوطن) هما أكثر الصحف التي توفر امتيازات للكتاب، بينما صحيفتنا هي الأسوأ لانتشارها المحدود، ودعوات مقاطعتها في محيطها، وخصوصاً عندكم في القطيف، حتى جاءت فترة لا يتم توقيع عقود فيها حتى لكبار الكُتاب إلا تحت مسمى (هاوي كتابة)!، والذي لا تتعدى مقالته الـ ٥٠٠ ريال!

·٥٠ % منهم ليس من حقهم أن يمرروا مقالاتهم التي تخدم مشاريعهم الفاشلة إلا بتزريق بعض المقالات التي تنال من معتقدات الشيعة دورياً، و إلا تم رمي مقالاتهم في "قمامة رئيس التحرير"!

·إلى الآن لم أستطع استيعاب كيف لذلك الكاتب الذي يُجهِد نفسه ليخرج بمقال نخبوي فلسفي على طريقة (انظروا كيف أرتب الكلمات، وأخترع المصطلحات التي لم تُسمع من قبل!) يسهر من أجله الليالي في تنميق مفرداته البرَّاقة، ومصطلحاته الرَّنَّانَة، وأسلوبه الجذَّاب لـ ”المسطحين فكرياً“ أن يقبل بهكذا عقد! بـ ٣٧٠ ريالا فقط!، ماذا لو عرضوا عليه ١٠٠٠ ريال؟، هل يبدأ بتنقيح المصحف الشريف، والعياذ بالله!

·هناك أيضاً جمهور (جاهل بالمجان) يروج لمقالات الـ ٣٧٠ ريالا؛ لأنه يجد أُنسه فيها؛ ليساعد من حيث يدري أو لا يدري الكاتب الرخيص برفع عقده القادم مع ارتفاع عدد قراءة تلك المقالات! فربما يحصل على ١٠٠ ريال زيادة مستقبلاً!، من يدري غير [أسياده] بكم يجودوا عليه!، ربما يعرضوا عليه عقد كاتب محترف بدلاً من (هاوي كتابة)!، والله أعلم.

باختصار شديد: المعادلة كوضوح الشمس في رابعة النهار، من يريد أن ينقح التراث من ”الخرافات“ فعليه التوجه للحواضر العلمية، وطرح نقاطه على أهل الاختصاص، وليس التهريج في الصحافة الصفراء!، ومن يريد أن يستنقذ المجتمع من الضَّلالة والخرافة و”الطقوس المجوسية أو الهندية“!؛ فإن مخاطبتهم من خلال تلك الصفحات الخاوية أمرٌ غير مجدٍ، ومن يريد تصفية حسابه مع فتوى السيد محسن الحكيم أو يثبت صفة التَّكفِير للمرحوم المِيرزا جواد التبريزي (رضوان الله عليهما)!، أو يُقَرِّع السيد مرتضى القزويني (حفظه الله)!، أو يرسل أي رسالة أخرى غرضها الظهور بمظهر الشجاع المتمرد على السائد فليست مقالات الـ ٣٧٠ ريالا في صحيفة مغمورة هي الوسيلة المناسبة لإيصال الرسالة، ومَن يريد إصلاح الوضع السياسي واسترداد حقوق ناقصة فليست أعمدة الثلاثاء في صحافة (يمتلكها أهل الفساد، ومن يراد لهم أن يصلحوا أنفسهم أولاً، ومن يدفعون له أجر مقالاته التي لم يكتبها لوجه الله) وسيلة إصلاح!، مادام الفساد ينخرها من رأسها لأخمص قدمها!، فأسلوب المقالات التخديرية للقراء المُخففة من الاحتقان صارت وسيلة سهلة هذه السنوات للحصول على ما يرمى من فضلات موائد السلاطين!

ختاماً شكراً لناصر الذي لم أره من تسع سنوات، ولكن تعلمت منه في هذا اللقاء الكثير، فيا كُتَّاب الـ ٣٧٠ ريالا، نعم إنه من حقكم الطبيعي بلا شك أن تَروا أنكم الوحيدون الذين يعيشون خارج الكَهف بلا انتماء فكري أو هوية دينية أو حتى مسار معين تسيرون في فُلكِه، وأن البقية يقبعون داخل ذلِك الكهف المظلم، ولكن استعدوا لقراءة شيء عن زيفكم متى ما وصلت إلى أنفي مجدداً ريحكم النتنة، فمعرفتي بكم ليست وليدة اللحظة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
سعيد المرهون
[ القطيف ]: 7 / 12 / 2013م - 9:20 ص
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسنتم أخي الكريم محمد على موضوعكم الموضوعي المتناول لجزء ليس باليسير من الحلقة المأساوية التي يمر بها حال من يحوّل قلمه من أداة مشرقة إلى أداة مرتزقة ..

تحية لك ولنبضك ..

سعيد
2
متابع
7 / 12 / 2013م - 12:40 م
هل باقي الكتاب، في جميع دول العالم، يكتبون بالمجان?
نظر الكاتب لبضع مقالات لكتاب شيعة في الصحف السعودية عن الطقوس الهندية، ولم ينظر لعشرات الكتابات لأبناء الشيعة في المنطقة وخارجها، على صفحات التواصل الاجتماعي. بل وقبلها الكتب المؤلفة من علماء شيعة، ومؤرخين، وعلماء اجتماع.

(من يريد ان ينقح التراث فليذهب للحواضر العلمية ويسأل اهل الاختصاص).!
لا اعلم هل يقصد بالحواضر العلمية، هارفارد، ام كامبريدج ام طوكيو!?
هذا تكريس للشعور بالدونية، وللتبعية، ولعدم الاستقلالية في التفكير.
لدينا اليوم علماء دين لا يقلون في مستواهم العلمي، عن كثير غيرهم في ما اسماه الاخ حواضر علمية. فهل هؤلاء مرتزقة ايضا?
لم يمنع احد ممارسي الطقوس، فلماذا يكممون الافواه ويكبلون الاقلام بهكذا مقالات واتهامات.

تحياتي
3
مصطفى الخباز
[ القطيف - تاروت ]: 9 / 12 / 2013م - 2:29 م
السلام عليكم
مقال موفق يفضح حال المقتاتين من عداء شعائر الإمام الحسين عليه السلام والتفاتة جريئة لوضع مزري ومهين.
شكراً للكاتب ولكم.
4
عباس الحصار
[ المملكة العربية السعودية - القطيف القديح ]: 13 / 12 / 2013م - 11:44 ص
شكرن على هذه الكلمات التي هي الحقيقة للاسف

ان الذي يحصل هو عبارة عن شحاته او طرارة من الجرايد تحت عنوان الكتابة الحره
ويل لهم اذا جعلوا الامام الحسين و الزهراء عليهم السلام خصمائهم.