أبناء الحسن في ركب الحسين

 

 

أن ثورة عاشوراء جاءت بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام بما يقارب العشر سنوات , و كلنا يعلم ما للإمام الحسن عليه السلام من دور في التمهيد و الإعداد لثورة الإمام الحسين عليه السلام , و المتمثل في صلحه الجهادي الذي سبق الثورة الحسينية بتسعة عشر عاماً تقريباً , و لم ينسى الإمام الحسن عليه السلام الإعداد لخوض المعركة الكبرى في كربلاء , فقد قدم عليه السلام مهجة قلبه و فلذة أكباده في يوم عاشوراء ليجمع بهذا بين الإعداد للثورة و المشاركة في معركة الثورة الكبرى في كربلاء .

لقد قدم الإمام الحسن عليه السلام سبعة من أبنائه ليكونوا في ركب الحسين عليه السلام منذ خروجه من المدينة , حتى رجوع ركبه بالسبايا إلى المدينة أيضاً , فشارك أبناء الحسن عليه السلام أبناء الحسين عليه السلام في الشهادة و السبي و الأسر , و كما كان للحسين عليل في ركب السبايا كان للحسن عليل في ذلك الركب كذلك , كما واسى الحسن بنات الحسين في أسرهن ببناته , فشابه اخاه الحسين عليه السلام فكانا كواحد بنفسي هما , و نحن في هذه السطور القليلة نتعرف على أبناء الحسن في ركب الحسين .

لقد خرج مع الإمام الحسين عليه السلام من أبناء الإمام الحسن عليه السلام من المدينة إلى سفر الشهادة ثمانية , و هم :

الحسن المثنى , عبد الرحمن , القاسم , عبد الله الأكبر , عبد الله الأصغر , عمر , فاطمة.

نبدأ بالحسن ابن الحسن المعروف بالحسن المثنى , و يكنى بـ أبو محمد , هو ثاني أبناء الإمام الحسن عليه السلام في الترتيب بعد زيد , و أمه خولة بنت خارجة الفزاري , كان جليلاً فاضلاً ورعاً ,  تزوج فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام , حيث خطب من الإمام إحدى بناته فقال له الإمام : "أختر يا بني أحبهما إليك" فاستحيى الحسن المثنى و لم يجاوب , فقال له الإمام الحسين عليه السلام "فإني اخترت لك ابنتي فاطمة , فهي أكثر شبهاً بفاطمة أمي" فتزوجها و رزق منها بخمسة أولاد و هم : عبد الله و إبراهيم و الحسن المثلث و زينب و أم كلثوم , و كان شديد الحب لزوجته فاطمة كما كانت له كذلك و عاش معها خمس سنين . و كان الحسن المثنى حضر مع عمه الحسين عليه السلام يوم الطف و جاهد بين يديه لكنه لم يستشهد , حيث أصابته جراح بليغة و قيل أصابته ثمانية عشر جراحة وقطعت يده اليمنى,  فلما استشهد الحسين عليه السلام  و أسر الباقون من أهله و نسائه و معهم الحسن المثنى جاء خاله أسماء بن خارجه و هو من جيش عمر بن سعد فمنع الجيش من قتله و أذيته , فسار في ركب السرايا و هو جريح عليل , فكان المثنى عليل الحسن في ركب السبايا كما كان السجاد عليل الحسين في ذلك الركب . فسار المثنى مع الركب إلى الكوفة ثم إلى المدينة و بقي بها حتى توفي و عمره خمس و ثلاثون سنة رحمه الله و دفن في جنة البقيع بجوار أبيه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام .

و ممن كان في ركب الحسين من أبناء الإمام الحسن عليهما السلام , عبد الرحمن بن الحسن , فقد خرج مع عمه الحسين عليه السلام إلى مكة , لكنه توفي في الأبواء و هو محرم رحمه الله , فشابه بموته في الطريق سقط الحسين "المحسن" في طريق العودة من كربلاء , فكان عبد الرحمن سقط الحسن في طريق الذهاب .

و ممن حضي بالشهادة بين يدي الحسين عليه السلام من أبناء الإمام الحسن عليه السلام , عبد الله الأكبر ابن الحسن , و يكنى بـ أبي بكر , و قد تقدم للشهادة قبل أخيه القاسم , فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل رحمه الله. جاء في زيارته : (السّلامُ عَلى أبي بَكرِ بنِ الحْسَنِ بنِ عليِّ الزَكَيِّ الوَليِّ ، المَرْميِّ بِالسّهمِ الرَّديِّ ، لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ عَبْدَاللّه بِنَ عَقَبةِ الغَنَويِّ) .

وبعد عبد الله الأكبر , برز من أبناء الإمام الحسن عليه السلام القاسم , و هو اشهر أبناء الإمام الحسن عليه السلام ممن استشهد في كربلاء و تعقد باسمه الليلة الثامنة في ليالي عاشوراء , و أمه أم و لد و أسمها رملة , و هو صغير السن لم يبلغ الحلم , أستأذن الحسين عليه السلام للقتال فأبى الإمام , فأصر القاسم حتى أذن له عليه السلام , قال الحسين عليه السلام لابن أخيه القاسم بن الحسن عليه السلام: (كيف ترى الموت؟) , فقال القاسم : "هو عندي أحلى من الشهد" , ثم برز للميدان فقاتل حتى قتل على صغر سنه مجموعة من الأعداء , و قصة استشهاده معروفة رحمه الله , و قد خاطبه الحسين قبل استشهاده  و هو يفحص برجليه : (بعداً لقوم قتلوك , و من خصمهم يوم القيامة فيك جدك و أبوك) , و قد تألم الإمام الحسين عليه السلام بمقتله أشد الألم كتألمه لمقتل علي الأكبر , فكان القاسم للحسن كما كان الأكبر للحسين , و قد ورد في الزيارة المنسوبة للإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه في السلام على القاسم وذكر مصابه : (السّلامُ على القاسِمِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَليِّ المْضْرُوبِ عَلى هامَتِهِ الْمَسلُوبِ لامَتُهُ ، حِينَ نادَى الْحُسْينَ عَمَّهُ ، فَجَلى عَليهِ عَمُهُ كالصّقْرِ ، وَهُوَ يَفْحَصُ بِرجلَيهِ التُّرابَ) .

و آخر أبناء الحسن عليه السلام استشهاداً بين يدي سيد الشهداء هو عبد الله الأصغر بن الحسن و كان طفلاً صغير السن و هو شقيق للقاسم , فلما رأى عمه الحسين على الأرض و قد أنهكته الجراح بكثرتها خرج من عند النساء مسرعاً حتى وقف عند الحسين عليه السلام فلحقته زينب عليها السلام لتمنعه , فأبى و أمتنع امتناعاً شديداً و قال : (لا و الله , لا أفارق عمي) , و هو على تلك الحالة ضربه أبجر اللعين بالسيف فسقط على عمه الحسين و ضمه إلى صدره فرماه حرملة لعنه الله بسهم فذبحه و هو في حجر الحسين عليه السلام , فكما كان للحسين عبد الله الرضيع المقتول في صدر أبيه بسهم حرملة , كان للحسن طفله عبد الله المقتول على صدر عمه بسهم حرملة كذلك , و قد ورد السلام عليه في الزيارة : (السَّلامُ عَلى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الحَسَنِ بنِ عليِّ الزَكيِّ لَعَنَ اللّهُ قاتِلَهُ وَراميهُ حَرْمَلةَ بنَ كاهِل الأسَديِّ) .

و لم ينسى أبناء الحسن مواساة أبناء الحسين في سفر الأسر و السبي , فكان أبناء الحسن هناك أيضاً , فمن الأولاد كان عمر بن الحسن , و هو شقيق القاسم و أمه رملة أيضاً , و عمر بن الحسن ممن أسر من بني هاشم , و سار في ركب السبايا من كربلاء إلى الكوفة , و من الكوفة إلى الشام , ثم من الشام إلى كربلاء في الأربعين , ثم منها إلى المدينة حيث أستقر ركب السبايا .

كما واسى أبناء الحسن بنات الحسين في ركب السبايا , فكما كان للحسين رقية و سكينة , كان للحسن ابنته فاطمة التي كانت مع بنات الحسين في الأسر , فعندما كانت سكينة على الجمال الهزل كانت فاطمة بنت الحسن كذلك , و عندما دخلت رقية مجلس يزيد كانت فاطمة بنت الحسن معها , فقد حضرت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام , مع زوجها الإمام السجاد و ابنها الإمام الباقر عليهم السلام , واقعة الطف في يوم عاشوراء , و شاهدت كل ما جرى على آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك اليوم من مصائب و محن , اشتكت فاطمة بنت الحسن العطش كما شكته سكينة بنت الحسين , و آلم فاطمة بنت الحسن ضرب سياط الأمويين كما آلم رقية بنت الحسين .

هؤلاء هم أبناء الحسن في ركب الحسين , جرى عليهم ما جرى على أبناء الحسين , فكانوا كما كان آبائهم نفس واحدة في جسدين .

 

المصادر :
-لإمام الحسين سيرة و مقتل , محمد هادي .
-مهات المعصومين , آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) .
-نتهى الآمال في تواريخ النبي و الآل , ج1 , العلامة المحقق الشيخ عباس القمي (قدس) .